صفاء عوض الله
.يا عزيزي، لا تُصدّق من قال إنّ الابتعاد عن الوطن وحده اغتراب، ولا تُصدّق إن قالوا إنّك ستحتاج إلى وثيقة لاجئ
الاغتراب يا عزيزي أن تكون وحيدًا كياسمينةٍ تتّكئُ على كتف سياج، تنتظر غيمة ماطرة، أو نسمة صيف عابرة تسألها عن حالها وعن الفصول الغابرة، هو ارتجافٌ في الروح ونزوحٌ من الشعور إلى اللّاشعور؛ أنْ تكون، معًا، في الغياب والوجود لتسألَ نفسك ذات مرة: من أنا؟
من أنت؟
الاغتراب أن تجدَ ألف حاجزٍ بين فكرك وعقلك، أن تجدَ ألف بندقيةٍ بين نبضك وقلبك، أن يمرّ عنك من أحببتهم يومًا كأنّهم لم يلمحوا طيفك في فتات العمر، كأنّهم لم يتذوّقوا دفء قلبك وكأنّك لست أنت، يتهامسون ليُثبتوا نسيانهم لك بسؤالٍ سخيفٍ: ماذا كان اسمك؟
حينها تُدركُ جيّدًا أنّك تعيش الاغتراب بكلِّ تفاصيلهِ، وتضيع في زحام الأفكار وشتات العواطف، تُفضّل السكون على الحراك كحمامةٍ جريحة في وطنٍ غريب
تحاولُ لملمةَ ما تبعثر من ذاتك، وتُلقي بنفسك في بحر المخيم، فتسأل نفسك سؤال المصدوم: هل هذا أنا؟
هل هذا أنت؟
.الابتعاد عنك لا يحتاج إلى وثيقة ولا يحتاج جواز سفر
فهل صدّقت أنّ الابتعاد عن الوطن وحده ليس اغترابًا؟
كلام في غاية الروعة والجمال