اليوم نُحصي عام النّكبة التّاسع والسّتين من خلال عمر نبتة الألوفيرا الّتي “تتفجّر” الآن حيويّةً وخضارًا في بيت سلمى الخالدي. ومن خلال سفرها من فلسطين وإليها، نتتبّع رحلة عائلة هُجّرت مع النّكبة، وبدأت مسيرتها نحو العودة. لا تكتفي نبتةُ الصبّار هذه بتمثيل مجرّد جزءٍ من تاريخٍ شخصيّ لفرد، تقول سلمى، ولكنّها تعبّر عن تاريخ جيلٍ بأكمله.
لم يكن المتحف الفلسطينيّ وحده من حظي بفرصة التّغلغل في متن الحكاية الّتي بدأت من عيادة طبيبٍ شغوفٍ بالأدب والنّباتات في حيفا، وتفرّقت وتشعّبت لتلقي خيوطها في إصّيصٍ فخّاريّ على إحدى شرفاتِ منزل العائلة في رام الله. فكما تشارك سلمى قصّةَ نبتة الصبّار كلَّ من يزور منزلها، ترحّب أيضًا بمشاركة النّبة ذاتها مع كلّ من يرغب، وتقول أنّ هذا هو جوهرها. ومع انتشار فسائل النّبتة، تأمل سلمى أن تتكاثرَ أرواحُ القصّة الّتي تنقُلها، والمعاني الّتي تحملُها. واليوم ننبشُ تربة الصّبارة مرّة أخرى وندعوكم للدّخول إلى السّرد، والمشاركة في الحلم.
حين اشتدّت أزمة العصابات وضيّقت الحرب خناقها، اضطرّ جدّ سلمى لمغادرة عيادته في يافا أواخر عام 1948، كان الجدّ آنذاك حريصًا على ألّا يفارق ذكرياته، فاختار أن يحمل معه تفاصيله الحميمة، وأوصى زوجته المنهمكة في توضيب متاع الرّحيل أن تأخذ معها أشتالًا من نباتات المنزل والعيادة، وهكذا وصلت الألوفيرا إلى نابلس، لينقلها الحنينُ مرّة أخرى، بعد أعوام عديدة، برفقة عمّها الّذي دفعته رغبته بإقامة امتداد روحيّ يكثّف معنى وجوده لاصطحابِ شتلة منها إلى محطّة إقامته الجديدة في عمّان. والدها الشّغوف بالنباتات أيضًا استكمل هذا الإرث العفويّ واقتطع جزءًا من النّبتة في طريقه إلى الكويت. سنواتٌ تفصلٍ بين كلٍّ محطّةِ سفرٍ وأخرى، وها هي الصّبارّة الّتي كبرت في المنفى تعود إلى فلسطين مرّة أخرى.
عام 1990، حمل خال سلمى 36 نبتةَ صبّارٍ من الكويت إلى عمّان، لتهلك جميعًا في حرّ الطريق إلّا هذه الألوفيرا. بعد خمسة أعوام من إقامتها في عمّان، وحين قرَّرَت سلمى العودة إلى رام الله، لم تجد ما هو أفضل من نبتة الصبّار هذه لتعبّر عن ارتباط أفراد العائلة، ولتحمي أبناءَها من الشّعور بالغربة عند الانتقال، فكانت من بين الأغراض الّتي نقلتها معها إلى فلسطين.
في الشّمس تبدو الصّبّارة بالخصل الحمراء الّتي توشّح أوراقها كما لو أنّها شعلة من النّار، تقول سلمى وهي تصف جمال الألوفيرا، آملةً أن يكون وجودها في رام الله خطوةً في سبيل عودتها إلى يافا، عودةً مرهونةً برجوع الفلسطينيّين إلى بلادهم.
وكما يسير المهجّرون إلى منافيهم سارت هذه النّبتة، وكما يعودون إلى أوطانهم عادت.
نص: ملك عفونة
أجرى المقابلة: لور عواد
تصوير: إيهاب جاد