الإضاءة الشهرية

الكليّة العربيّة في القدس

1948 – 1918

شكّلت الكليّة العربيّة في القدس، والتي كانت تُعرف باسم دار المعلّمين حتّى عام 1927، صرحًا علميًّا وثقافيًّا مهمًّا خرّج العديد من الأدباء والساسة والاقتصاديّين والشعراء الفلسطيّنيين. تأسّس المعهد عام 1918، وتعاقب على إدارته كلّ من المربّي والأديب خليل السكاكيني، والأكاديمي خليل طوطح، والمربّي أحمد سامح الخالدي

بقيت الكليّة محطّ أنظار الطلبة المتوّفيق الذين وضعوا نُصب أعينهم هدف الوصول إليها، فسعوا، بكلّ الوسائل والطرق، للتفوّق والتميّز حتّى ينالوا تلك الفرصة، خاصّة وأنّ الكليّة سعت منذ نشأتها إلى استقطاب الطلبة الفلسطينيّين المتفوقين، وبذلك لم يكُن الدخول إلى الكليّة حكرًا على الأغنياء دون عن الفقراء، أو سكّان المُدُن دون سكّان الريف أو البادية. وقد ظلّت الكليّة العربيّة معهدًا ومدرسة رائدة لتخريج المعلّمين الفلسطينيّين والعرب حتّى حدوث النكبة واحتلال فلسطين عام 1948

كان العام 1925 أحد أهمّ محطّات التحوّل في تاريخ الكليّة، وذلك بعد صدور القرار القاضي بأن تقوم الدار بتهيئة الطلّاب لامتحان الاجتياز إلى التعليم العالي (المترِك)، الذي يسمح لمُجتازيه بإكمال الدراسة الجامعيّة خارج فلسطين

 بعد هذا القرار ركّزت الكليّة على تقديم موادّ أكاديميّة متنوّعة، منها اللّغتَين العربيّة والإنجليزيّة، والتاريخ العامّ، والرياضيّات الابتدائيّة، والجغرافيا، وعلم الطبيعة العامّ، والكيمياء، بالإضافة إلى تعليم الرياضة كمادّة أساسيّة، حيث كانت الكليّة تمنح شهادة في التربية البدنيّة للمدارس

.نماذج من ملخّصات أحد طلبة الكليّة العربيّة في موضوعات اللّغة العربيّة والبيولوجيا وعلم الطبيعة، والكيمياء، مجموعة صخر الخطيب

تقتصر أعمال الكليّة على التعليم وكونها معهدًا ومدرسة لتأهيل وتخريح المعلّمين والطلّاب، بل ساهم تربويّوها وخرّيجوها في تأليف بعض الكتب، كالكتب المدرسيّة التي كانت تُدرّس في مدارس إدارة المعارف في فلسطين. فمثلًا، ألّف سليم كونول، أستاذ الطبيعيّات والكمياء في الكليّة العربيّة، كتاب (العلوم الحديثة) للصفّ الخامس الابتدائي، وألّف عيسى عطا اللّه، أحد خرّيجي الكليّة، كتابًا بعنوان (الحديث في قواعد اللّغة العربيّة)، والذي كان موجّهًا لمعلّمي اللّغة العربيّة في المدارس آنذاك

أسّست الكليّة في العام 1925 مجلّة حملت اسمها، وتخصّصت في مجال العلوم التربويّة، إضافة إلى نشرها أخبارًا عن التعليم والمؤتمرات التي تعقدها الكليّة، وكانت مجلّة فصليّة، تصدر أربع مرّات كلّ عام

غلاف العدد الثاني من السنة الحادية عشرة لمجلّة الكليّة العربيّة، الصادر في 1 آذار 1931

طُبعت المجلّة في مطبعة مرآة الشرق في القدس المحتلّة، ووصلت قيمة اشتراكها السنوي إلى 250 ملّيمًا

حافظت مجلّة الكليّة العربيّة على رسالة الكليّة، وظلّت تنشر كلّ ما يهمّ طلّابها والقرّاء، من تربويّين ومعلّمين، وتواكب التطوّر العلمي والتربوي في العالم، وتُضيء على أهمّ إنجازات المعلّمين والتربويّين الفلسطينيّين، كما اهتمّت بتطوير العمليّة التعليميّة والتربويّة في فلسطين، فحرصت على نشر مؤتمراتها وأبحاث المساهمين فيها، ونشر قوائم خرّيجيها، وأهمّ إنجازات الكليّة، ولكنّها توقّفت عن الصدور مع إغلاق الكليّة في أعقاب النكبة

فخصّصت المجلّة، مثلًا، عددها الثالث، الصادر بتاريخ 15 حزيران 1929، لنشر برنامح وأبحاث مؤتمر مديري المدارس الأميريّة الثالث، المُنعقد في الكليّة العربيّة في مدينة القدس على مدار يومَي 29 و30 نيسان 1929، وقد شهد المؤتمر مشاركة عدد من التربويّين الفلسطينيّين، كان من بينهم أحمد سامح الخالدي، وخليل السكاكيني، ومصطفى الدبّاغ، وأنيس الصيداوي

كما حرصت المجلّة على نشر قوائم بأسماء خرّيجي الكليّة العربيّة، وقد جاء في عددها الرابع من السنة التاسعة، الصادر في آب من العام 1929، قوائم بأسماء خرّيجي الكليّة في الأعوام 1927 و1928 و1929. وضّحت القوائم التنوّع الجغرافي والمناطقي للطلبة، ووثّقت للمُدُن والقرى التي ينحدرون منها. كما نشرت المجلّة في عددها الأوّل من السنة الثالثة، الصادر بتاريخ 15 كانون الأوّل 1932، قائمة بأسماء الناجحين في الفحص الثانوي النهائي من الكليّة العربيّة، وكان من بينهم المربّي حسني الأشهب، الذي أصبح فيما بعد واحدًا من أهم التربويّين في فلسطين

تنوعت المجالات والموضوعات التي تطرّقت إليها مجلّة الكليّة العربيّة، كما شارك عدد كبير من التربويّين في كتابتها، فمثلًا، يعرض فهرس العدد الثالث من السنة الثامنة عشرة للمجلّة، الصادر بتاريخ 21 أيّار 1938، عناوين الموضوعات التربويّة والعلميّة المتنوّعة التي يضمّها العدد، وأسماء التربويّين والأساتذة والمترجمين الفلسطينيّين الذين عملوا على إعداد هذه الموادّ، فنرى أسماء إسحق موسى الحسيني، وأحمد الخليفة، ومحمّد عبد السلام البرغوثي، وإبراهيم سكيك، وحبيب الخوري، وحسن الكرمي، وحسن عرفات، كما يعكس هذا العدد مشاركة المرأة في المجلّة، إذ نجد فيه مقالًا لوداد حبيب الخوري

ختامًا، حاولت هذه الإضاءة تسليط الضوء على الكليّة العربيّة ومجلّتها، من خلال عرض نماذج منوّعة من الوثائق، تمكّن فريق مشروع الأرشيف الرقمي من الوصول إليها، وجمعها ورقمنتها وأرشفتها وإتاحتها للجمهور على موقع الأرشيف الرقمي، وذلك احتفاء بواحدة من أهمّ الصروح العلميّة والتربويّة، والتي كان لها أثر مهمّ على التعليم في فلسطين، بالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد في فلسطين، على المستويَين المدرسي والجامعي

Leave a comment